اقوى معارك الدبابات في التاريخ ( معركة كورسك )
الأحد 5 فبراير 2012 - 0:55
خط الجبهة والجيوش المتواجدة بمنطقة كورسك أثناء المعركة.
كانت المعارك التي شهدتها الجبهة الروسية من أشرس معارك الحرب العالمية الثانية وأكثرها تدميرًا.
اندلعت حرب أيدلوجية بين ألمانيا النازية وروسيا السوفيتية بين عامي 1941 و1945 حصدت ملايين الجنود والمدنيين.
دارت إحدى أشرس المعارك في مدينة كيرسك قرب خاركوف.
في الهجوم الذي أُطلق عليه الاسم الألماني "زاتا ديل" أو القلعة واجهت دبابات هتلر الجديدة الدبابات الروسية المتدفقة.
قُدر لهذه المعركة أن تحدد نتيجة الحرب، وقد شكلت الجبهة الشرقية ذروة الحرب
كان للحملة الروسية أهمية خاصة، انتهى التوسع العسكري الألماني في ستالن جراد، ولم نعد قادرين على التقدم بأي طريقة، ولكن محك المعركة كان كيرسك، حتى هتلر كان يدرك ذلك، فالغباء لم يكن من جملة الصفات التي يمكن إلصاقها به.
لقد تردد شخصيًا في المخاطرة في البدء بمعركة كيرسك ولكن المردود كان كبيرًا جدًا.
كانت المدينة تضم أربعين بالمائة من الجيش الروسي الميداني، بالإضافة إلى قوة دباباتهم الضخمة جدًا.
اضطرت ألمانيا إزاء هذا إلى دخول الحرب، ومحاولة السيطرة على البلاد، ولكن كما نعلم فشلت في ذلك، وبهذا انعدمت إمكانية كسبها هذه الحرب.
قصد هتلر من عملية القلعة أو الهجوم الكبير على كيرسك عام 43 أن تكون الضربة الحاسمة، اعتبر عام 41 أن الجيش الأحمر قد دمر، وذلك لم يحدث، واعتمد على ذلك ثانية، عام 42 لكن طبعًا كان مخطئًا في المرتين.
بحلول عام 43 صمم على تسديد الضربة القاضية، وكانت تلك أضخم العمليات المسلحة في التاريخ العالمي، بحيث شكلت تجمعًا هائلاً من الدبابات والمدافع والطائرات والقوات المهاجمة.
علق هتلر آماله عليها، وهدفه منها القيام بضربة خاطفة لكسب الحرب وتصويب خطأ معركة ستالين جراد، وتأكيد أن الجيش الألماني لا يزال يمسك بزمام المبادرة الإستراتيجية على الجبهة الشرقية.
يستحيل أن تنتقل هذه النقطة الرئيسية إلى الروس مهما كلف الأمر، لقد اكتسبت عملية زيتا ديل أو القلعة أو القلعة أهمية قصوى استنادًا إلى وجه النظر هذه.
تابع الجيش الأحمر عقب كارثة سالين جراد في فبراير عام 1943 تقدمه السريع المفاجئ، وأخيرًا في مارس عام 1943 نجح فريق دبابات شرطة السرية الأول، والتابع لمجموعة جيش الجنوب في وقف الهجوم الروسي حول خاركوف.
وفي الشمال تمكنت مجموعة جيش الوسط من وقف الزحف الروسي حول إقليم أوريل، تمكنت هاتان المجموعتان التابعتان للجيش الألماني من كبح الهجوم الروسي بصعوبة، ولكن كان هناك جزء ناتئ من خط دفاعي روسي ضخم بين مواقع المجموعتين.
كان نتوء كيرسك عام 43 يمتد على مساحة كبيرة من مقاطعة وايلز وكما كل الأجزاء الناتئة من خط دفاع ما كانت بارزة بروزًا مباشرًا داخل الوسط الألماني، كانت هناك الواجهة الشمالية والواجهة الجنوبية، وعبرهما في الوسط كان موقع مدينة كيرسك.
قررت القيادة الروسية وللمرة الأولى خوض معركة دفاعية كبرى طويلة الأمد.
أصدر هتلر أوامره بقطع ذلك النتوء وتدمير القوات السوفيتية الداخلة.
كانت الخطة بسيطة واعتمدت على الاستعمال المؤثر للقوات المدرعة، شعر رجال القوات المدرعة الألمانية بأنهم قادرون على هذه المهامة التي قضت بأن يهاجم الجيش التاسع من أوريل في الشمال، ويهاجم جيش الدبابات الرابع بالجورود في الجنوب، بحيث يلتقيان في الوسط ويحاصران الروس داخل جيب ضخم.
يقومان بعد ذلك بتدمير تلك القوات المحاصرة.
كان مهندس تلك الخطة المارشال "فون مان شتاين" وهو بارع ومحنك في حرب المدرعات.
كان "مان شتاين" أفضل مارشال ميداني عرفته ألمانيا في تاريخها، مع أن قادة الجبهة الجنوبية قد ساهموا في مواجهة الحملة الروسية.
ولا شك في أنه كان أفضل رجل للقيام بهذه العملية، وشن هجوم ضخم وإنهاء الحرب، لكنه فشل في ذلك بسبب الإرجاءات المتكررة.
استولى "مان شتاين" وجنود على خار كوف قبل معركة كيرسك ببضعة أشهر، وخرج الروس من تلك المعركة منهكي القوى.
كان "مان شتاين" من مشجعي الهجوم الفوري على نتوء كيرسك والاستيلاء عليه إن أمكن، كان يريد المزيد من الدبابات والمدافع، التي كان لدى الروس كثير منها.
لم يضطروا إلى جلب أسلحتهم من برلين أو ألمانيا الغربية، كانت كل أسلحتهم هناك، كان ذلك توفيرًا للوقت، وكانت التعزيزات أسوأ بكثير.
أدركت القوات الروسية التي ستصدى لهجوم القلعة أنها غير محصنة، كان واضحًا للجهتين أن تلك المنطقة ستدور فيها المعركة الفاصلة، كانت ألمانيا تتوق لاستعادة المبادرة في روسيا عقب كارثة "ستالن جراد" ووفر الانتصار الحديث في خار كوف طعمًا يمكن تعزيزه.
مع هذا شعر هتلر بالقلق من هذا الهجوم.
أخبر جوديريان بأن هذا الهجوم سبب له توترًا في المعدة، لكن في حديثه إلى الجنود كان يشدد على أهمية تلك المعركة القادمة، قائلاً: إن الانتصار القادم في كيرسك سيكون منارة العالم أجمع.
كان استدعاء الجنرال غير المحبوب بالنسبة له "هاينز جوديريان" للإشراف على إعداد قوات مدرعة جديدة دليلاً على مدى قلقه من هذه العملية.
هذه هي الدبابة مارك 3، استخدمت الدبابة بفاعلية بالمعارك التي جرت في الصحراء المغاربية، حيث واجهت القوات المصفحة البريطانية التي كانت خلال المعركة دونها كفاءة، لكن هذه الدبابة فشلت في أن تكون دبابة رئيسية في المعارك، وبخاصة في روسيا حيث كانت الدبابة "T 34" سيدة المعارك.
أضيفت عدة تعديلات على "مارك 3" مما جعلها تستمر في المعارك حتى عام 1943، وأهمها إضافة الدرع المرتفعة، هذه هي الدرع، وهي على شكل حرف "L" مزودة بماسورة مدفع من عيار 50 ميليمترًا، من حسنات هذا المدفع أنه وفر لها سرعة إضافية، ونوعًا من القوة الكافية لمواجهة "T 34" عند مسافة قريبة نوعًا ما، شريطة مهاجمتها من الجانب أو المؤخرة.
إن ما سمح لدبابة مارك 3 بمواصلة المعركة هو التدريب الجيد الذي خضع له فريق عملها، إن امتلاك هذه الآليات للأجهزة اللاسلكية مكانها من التواصل أفضل بكثير مما كان يفعل فريق الدبابات "T34" الروسية، إذ كان الروس لا يزالون يستخدمون الشارات كوسيلة اتصال بينهم، وهكذا تمكنت الدبابة الألمانية من التفوق على الدبابة الروسية في هذا المجال.
ولكن بحلول معركة كيرسك كان الفريق الروسي قد اكتسب خبرة جيدة، وتخطى فكرة عدم امتلاكه للأجهزة اللاسلكية، وبدأت معظم الدبابات الروسية تجهز باللاسلكي، مما أدى إلى اعتبار هذه الدبابة آلة المعارك الرئيسية.
لكن الألمان لم يكن لهم خيار آخر، استخدموا تلك الآليات لتأدية أعمال تفوق قدرتها، فدفعت الثمن غاليًا في كيرسك.
دُمر عدد كبير منها، على الرغم من التعزيزات التي أضيفت إلى الدرع والمدفع.
أضيف إلى هذا النموذج "أسترونج إيل" وهي درع متباعدة في مقدمتها، والغاية منها حماية الآلية وتفريق قوة القذيفة المرتطمة هنا.
كانت محاولة لتحسين قدرة تلك الدبابات القتالية لكن بحلول عام 1943 وهو عام معركة كيرسك كانت تلك الدبابات قد أصبحت غير ملائمة للاستخدام على الإطلاق.
كان هتلر يعلم أن الهجوم القادم على كيرسك هو آخر أمل له في تحقيق نصر حاسم في الشرق، لذا أصدر أوامره بنشر آخر تصاميم الدبابات الألمانية، مع أن بعضًا منها لم تكن قد خضعت لاختبارات كافية.
مشكلة تسنين الآليات كانت عقبة كبيرة، دليل ذلك الدبابة الخامسة المعروفة باسم بانثر
واجهت قوات الدبابات الألمانية في شهر سبتمبر من عام 41 تجمعًا ضخمًا من دبابات "T 34" خارج منسك.
كشفت هذه المعركة عن تفوق الدبابة الروسية فصمم الألمان على إنتاج نسخة عن هذه الدبابة، ولأسباب عملية ودعائية فشل الألمان في نسخ التصاميم الروسية، وانتهى بهم الأمر بإنتاج آليتهم الخاصة التي عرفت باسم البانثر، التي جسدت معظم أفكار "T 34" كالدرع المنحرفة والأقراص الكبيرة، والجنازير العريضة، وكانت مجهزة بمدفع من عيار 75 ميليمترًا وهكذا صمم هتلر على استخدام دباباته الجديدة الثلاث: التايجر، والبانثر، والإيليفنت، للتغلب على الدفاعات الروسية في معركة كيرسك.
ظل التشابه بين البانثر و "T 34" مدار بحث عدة سنوات، على الرغم من وجود اختلافات عدة بين التصميمين، أولاً: فاقت المصانع الألمانية المصانع الروسية براعة، ما أنتج آلية ذات نوعية أفضل من الدبابة الروسية، ولكن في مقابل النوعية كان هناك عامل الوقت، وهكذا كان يتم إنتاج دبابتين "T 34" في مقابل واحدة من هذه، وكان مدفعها أفضل.
لا شك في أن المدفع السريع من عيار 75 ميليمترًا يتفوق بكثير على مدفع من عيار 76 ميليمترًا كانت تجهز به دبابات "T 34" في البدء ولكن يجب ألا ننسى أن مدافع الأخيرة العالية ذات العيار 75 ميليمترًا قد جعلت في المراحل الأخيرة من الحرب الدبابتين متساويتين من حيث القوة.
إذا ألقينا نظرة شاملة على الوضع وهنا كان الروس محقين فيما ذهبوا إليه نرى أن الأعداد المرتفعة للدبابات الأدنى نوعية أفضل من الدبابات ذات النوعية الممتازة.
بدأ إنتاج البانثر في المراحل الأخيرة من الحرب، حيث كانت الصناعة الألمانية تجهد للمحافظة على نوعيتها الجيدة، كانت العملية مكلفة من ناحية المواد الأولية، مما حتم تدني نوعيتها
رغم أن هذه الدبابة تعود إلى عام 1937 فلم يقدم الألمان على تطويرها كثيرًا ظنًا منهم أن دبابتهم بوضعها الحالي يمكنها التفوق بسهولة على عدوهم في أي معركة.
كانت النتيجة دبابة وزنها 45 ظنًا وبحجم متوسط.
كان يدير الدبابة فريق مؤلف من خمسة رجال، وكانت تحمل مدفعًا من عيار 75 ميليمترًا مدعومًا بمدفعين رشاشين.
كان سمك الدرع 120 ميليمترًا، تصميمها جعلها شبيهة بدبابة "T 34"، عزز التصميم حماية الدرع السميك، وكانت سرعتها 30 ميلاً في الساعة.
تبين أن قوة تلك الدبابة ضعيفة، ووزنها ثقيل جدًا، مع ذلك أصر هتلر على إنتاج 20 وحدة من هذا النوع، ولكن بسبب السرعة التي تم فيها إنتاج تلك الدبابة لم يصحح التصميم والمشاكل الكامنة فيها.
بلغ عدد دبابات البانثر في هذه المعركة المائتين، كانت خارجة من خط الإنتاج مع كل المشاكل المرافقة للنماذج الجديدة، لم يكن الجيش قد ألفها، مما سبب نتائج وخيمة.
من مجموع 200 دبابة متوجهة إلى المعركة تعطلت 60 منها قبل وصولها إلى الجبهة، بسبب ارتفاع الحرارة فيها مما سبب اشتعالها.
ودخلت المجموعة أو ما تبقى منها بعد بدء الهجوم حقل ألغام فشل الألمان في تمييزه، ولهذا السبب لم ينظفوه، وهكذا أخفقت المجموعة الأولى من البانثر، ولكن لابد لنا من القول هنا: إنه في نهاية الحرب العالمية الثانية اعتبرت البانثر أفضل دبابة متوسطة الحجم عرفها العالم المعاصر.
أُنتجت الدبابة مارك 6 أو التايجر 1 خلال السنوات التي سبقت الحرب.
أصدر هتلر أمرًا بتصميم دبابة ثقيلة الوزن يمكنها التفوق على الدبابة "LT 34" للتأكيد على البراعة الألمانية في تصميم الدبابات، فظهرت نتيجة لذلك دبابة تزن 55 طنًا تحتاج خمسة رجال يعلفون فريق التايجر بحيث يشرف القائد على الآلية، ويختار الأهداف بالإضافة إلى إطلاقه المدفع الأوتوماتيكي على البرج.
يليه المدفعي الذي يجلس إلى جانبه، ويقوم باختيار أهدافه عبر المنظار.
كان المدفعي أهم عضو في فريق الدبابة فخلال المعركة لكل قذيفة أهميتها القصوى.
هناك عدة عوامل تؤثر على انطلاق القذيفة، منها اتجاه الرياح والمطر والثلج والأحوال الجوية الأخرى.
يقوم المدفعي بقياس الهدف آخذًا بعين الاعتبار العوامل الجوية المؤثرة على سرعة الأهداف المتحركة التي لم يكن من السهل إصابتها، أي طلقة خاطئة قد تتيح لدبابات الأعداء الرد بإطلاق قذيفة قاتلة.
كان موقع الملقم في الجهة المقابلة من البرج بحيث ينجز العمل المضني بتلقيم المدفع، وكان عليه عند الانتهاء من أي معركة تفريغ صناديق القذائف، وإعادة تعبئة قذائف المدفع الرئيسي.
كان السائق يجلس داخل الهيكل في مقدمة الآلية وإلى يمينه عامل لاسلكي الذي كان مسؤولاً عن الاتصالات اللاسلكية المهمة، وكان يهتم كذلك بالمدفع الأوتوماتيكي.
كان المدفع الرئيس من عيار 88 ميليمترًا وكان يستخدم في البداية كسلاح مضاد للطيارات، أمكنه التغلب على أي دبابة تواجهه على مسافة أقصاها ألفا متر.
كان هناك مدفعان رشاشان يحميان الدرع الرئيسي.
هذا المدفع الرشاش في المقدمة كان يشغله عامل لاسلكي الذي يكون هنا داخل الهيكل، بالإضافة إلى عمله اللاسلكي كان يقوم بإدارة المدفع الرشاش، من المعروف أن المدافع الرشاشة عرضة للأعطال المتكررة، وبالتالي لم تكن مهامته سهلة، كان من الضروري على شخص ما أن يعاود تلقيمه ويجعله صالحًا للعمل من جديد وفي الوقت نفسه كان يحاول البقاء على اتصال بكل الدبابات الأخرى، وتوصيل الرسائل لقائده واستلام الرسائل منه وتوزيعها.
نتج عن وزن التايجر الضخم وسرعة إنتاجها مشاكل عدة.
هذا شق معاينة السائق، كما ترون ليس بالمساحة الكبيرة، ولكن هناك خطر بأن تدخل القذيفة عبره، لذا كانت تغلق هذه الحافة المعدنية خلال المعارك، وكان السائق يعتمد على البريسكوب الذي كان ناتئًا عبر هاتين الحافتين الصغيرتين في مقدمة الدبابة.
إحدى ميزات التايجر هي الجنازير العريضة، أُضيفت هذه الميزة لسببين الأول وزن المركبة الضخم البالغ 56 طنًا الذي احتاج إلى آلية لتوزيعه وتخفيض مساحة السطح، أضف إلى ذلك أن هذه المسافات سهلت عملية تحرك هذا النموذج من الدبابات أكثر من أي نموذج ألماني سابق في الوحل والثلج وغير ذلك من الأحوال التي قد تتوقعها في روسيا.
إن تبديل هذه الجنازير ليس بالعملية السهلة، ففي حال احتياجات الدبابة لتبديل هذه الجنازير لأي سبب من الأسباب كان فريقها يستعين بأي دبابة أخرى لمساعدته أو لجرها من ساحة المعركة، وإصلاحها بعيدًا عن الجبهة.
كانت عملية تبديل هذه الجنازير تعتبر عملية صعبة جدًا، إذ يبلغ وزنها طنًا تقريبًا وبالتالي كانت تلك مهمة شاقة على الفريق.
اشتركت التايجر في المعارك للمرة الأولى في ليننج جراد عام 42 كانت النتيجة سيئة بسبب ضعف مساندة المشاه، ولم تنشر بطريقة سليمة.
تمكن الروس من التغلب على الدبابات بضرب الجنازير، كان ذلك درسًا قاسيًا للألمان، مما جعلهم يقومون بقيادة تايجر واحد بحذر.
تواجد أكبر انتشار للتايجر في كيرسك حيث استخدم نحو مائة منها، زود سلاح الشرطة السرية وفرقة جروس دوي شلاند بأكثر من خمسين منها، كانت نخبة الجيش الألماني، وسرعان ما بثت التايجر 1 الذعر في نفوس أعدائها.
لم تخدم سوى سنتين، لكن شهرتها ما زالت قائمة حتى اليوم.
قد تكون التايجر ذات تصميم جيد، لكن المدمرة الأولى كانت فاشلة، تم تصميم هذه الدبابة الثقيلة بواسطة المصمم فريدريد بورش، والذي كان واثقًا جدًا من أن الاختيار سيقع على تصميمه، مما جعله يقوم بإنتاج الآلية رغم أن الشركة المنافسة "هين شيل" وضعت تصميمًا آخر.
عندما اختار هتلر تصميم "هين شيل" كان قد تم صنع تسعين هيكلاً من تصميم "بورش" وخمسين برجًا، وساعد بورش أن أصدر هتلر أمرًا بتصميم مدفع هجومي يمكنه حضن المدفع السريع من عيار 88 ميليمترًا، فلم تستطع التايجر القيام بذلك، لذا استخدم هيكل بورش كقاعدة لآلية جديدة، فظهرت دبابة الإيليفانت.
استخدمت 90 دبابة من طراز إيليفانت في معركة كورسك وهو مجمل ما تم إنتاجه تقريبًا.
لم تكن سوى تركيبات لم تستعمل قام بها بورش، ولكن بما أن العمل فيها كان قد بدأ، فقد تقرر وضع مدافع ثقيلة مضادة للدبابات فوقها، تشكل حماية جيدة للفريق.
أرسلت هذه التصاميم إلى معركة كيرسك كما جرت العادة من دون إخضاعها لأي اختبارات مسبقة.
كانت تزن 72 طنًا، ومجهزة بمحركين أساسين ومن دون أي وسائل لحمايتها من هجمات المشاة، وسرعان ما استغل الروس هذا الأمر، كانوا يدعون الدبابات تمر من أمامهم، ثم يخرجون من خنادقهم ويستولون عليها.
عانت الدفعة الأولى من هذه الدبابات صعوبات في معدات التشغيل، مما اضطر بعضها إلى التوقف وهي في طريقها إلى ساحة المعركة، كما حصل للبانثر.
ساهمت هذه الأعطال المتكررة في فشل هذا السلاح الجديد في كيرسك.
هذه الدبابة هي إحدى المحاولات الناجحة في مواجهة خطر الدبابة "T 34" إنها دبابة "ستيرن جيتشد" عزز مدفعها من عيار 75 ميليمترًا قصير، إلى هذا السلاح الطويل المضاد للدبابات الذي نشاهده هنا، مما مكنا من مواجهة "T 34" إحدى مميزات هذه الدبابة عدم وجود البرج، مما سهل عملية تصنيعها.
كان في الإمكان إنتاج ثلاثة منها في مقابل اثنتين من الطراز الآخر.
كان هذا أمرًا مهمًا في الجبهة الروسية حيث لعب عامل الكمية دورًا فاعلاً في حسم المعركة.
أنتج الألمان نحن عشرة آلاف من هذه الدبابات خلال الحرب العالمية الثانية مما ساهم كثيرًا في تعويض التوازن بين "T 34" والآلات الألمانية القديمة القليلة العدد، لكن رافق هذه المركبة بعض السلبيات، فعند محاولة توجيه المدفع كان المجال ضيقًا بحيث كنت تضطر لتحريك الدبابة لتسديد السلاح الرئيسي.
ولكن كان الألمان باستثناء معركة كيرسك بدءًا من عام 1942 يخوضون حربًا دفاعية، وكان هذا النوع من السلاح ممتازًا لتحقيق هذا الهدف.
كانت هذه الدبابة قليلة الارتفاع مما سهل عملية التمويه، كما كان المدفع من عيار 75 ميليمترًا كثير الخروق، وكانت عملية نقلها إلى ساحة المعركة سهلة، وهذا ما كان الألمان بأمس الحاجة إليه.
صدر الأمر بشن الهجوم في شهر إبريل، لكنه تأخر ثلاثة شهور فتم في شهر يوليو.
يعود السبب إلى أن هتلر كان مصرًا على عدم ترك أي احتمال للفشل، وبالتالي كانت الخطة تخضع لمراجعات متكررة، هذا بالإضافة إلى ولعه الشديد بالأسلحة الجديدة.
اعتقد أن دبابات البانثر والإيليفنت الجديدة ستضمن له النجاح، وبالتالي أصر على استخدامها في المعركة.
رغم عدم اكتمال الاختبارات الميدانية للدبابات الجديدة، إلا أنه أصر على إرسالها إلى المعركة، لكن تبين لاحقًا خطأ هذا القرار، كما أن هذا التأخير خلف مشاكل غير متوقعة.
اضطلع الروس على الخطط الألمانية عبر شبكة التجسس "لوسي" التي كانت تبعث رسائل "إيلترا" والتي تم فك رموزها في "بليتشي بارك" في إنجلترا.
وراقبوا الاستعدادات الألمانية الضخمة، ووضعوا خطة كفيلة بمواجهة ذلك التهديد
قيل: إن موعد الهجوم الألماني كان معروفًا لدى الروس، وهم يقرون بذلك الآن.
كانوا يعرفون يوم الهجوم، وقوته العسكرية، وعلى الرغم من السرية التامة التي أحاط بها الألمان ذلك الهجوم، فقد نجح الروس في خرق ذلك.
يبدو أن سبب ذلك يعود لوجود شبكة تجسس في سويسرا تحت إشراف المواطن السويسري "روسلر" الذي تمكن عملاؤه من الوصول إلى مكتب هتلر الرئيسي.
كان هذا الرجل يعمل لحساب الروس، وكان مركز عمله في "روسر" في سويسرا، ولقبه السري "لوسي".
لا يزال هناك شك كبير في ما إذا كان هو المسؤول الوحيد عن كشف المعلومات الحساسة للروس.
هناك نظرية تدعي أن الروس كان لديهم جاسوس آخر، داخل مكتب هتلر الرئيسي باسم "فيردر".
لا أحد يعرف عنه شيئًا حتى الآن، مع العلم أن الألمان كانوا يعرفون بوجود جاسوس بينهم، لكنهم فشلوا في اكتشافه والقبض عليه.
أصدر ستالين أمرًا بشن هجوم، لكن قادته أقنعوه بتبني موقف دفاعي، الغاية من ذلك جر الألمان إلى مصيدة محكمة ثم الانقضاض عليهم بحيث يطبق عليهم الروس بمدرعاتهم بهجوم مضاد.
كان الروس يعلمون أن الألمان يركزون أعدادًا وكميات ضخمة من السلاح في المنطقة، لذا انصب الاهتمام على الدفاعات المضادة للدبابات.
الدفاعات الروسية تكونت من خطوط طويلة من الخنادق وحقول الألغام والكمائن المهلكة، وكانت هذه الدفاعات منظمة بحيث شكلت حاجزًا هائلاً.
انتشرت الخنادق في الجبهة المركزية الحاسمة على مساحة بلغت نحو خمسة آلاف كيلوا متر، ووضع أربعمائة ألف لغم في الأرض, والغاية من هذا لجم تحركات الدبابات، كان الجهاز الروسي العام يرتكز على ثلاثة خطوط دفاعية، الغاية من الخط الأول: خرق الهجوم الألماني، وكان يؤمل من الخط الثاني أن يتيح لهم استخدام دفاعاتهم المضادة للدبابات بنجاح، وشكل الخط الأخير المكان الذي ستدور عليه المعركة وصد الهجوم الألماني.
شمل هذا المخطط كل الفرق المحاربة، بما في ذلك الفرق العسكرية والأفواج والكتائب، وكان لكل من هذه الفرق قطاعها الدفاعي الخاص.
وُضعت نقاط قوية وراء هذه التعزيزات، وجهزت بوصلات متقاطعة من الألغام، والعوائق والمدافع المضادة للدبابات التي على اتصال دائم بالوحدات الأمامية، بالإضافة إلى أهم عامل في الدفاع الروسي وهو سلاح المدفعية، وهكذا نرى أنه كان دفاعًا هائلاً.
نقل الروس ما يفوق الألفي قطعة من سلاح المدفعية إلى هذه المنطقة بالإضافة إلى ثلاثة آلاف دبابة وألفي طائرة، وما يزيد على مليون جندي.
تمركزت طليعة الجيش الروسي بقيادة الجنرال "باتوتن فيرونش" وطليعة الجيش المركزي، بقيادة الجنرال "روكوسوفسكي" داخل النتوء الجغرافي.
وتمركزت قوات الاحتياط بقيادة الجنرال "كونر" في السهل، أشرف على كل هذه القوات المارشال "زوخوف".
الخطأ الوحيد الذي ارتكبه الروس كان في تقديرهم للوجهة التي سينطلق منها الهجوم الألماني، اعتقدوا أنهم سيأتون من الشمال، ونظموا قواتهم وفقًا لذلك بتكوني جدار دفاعي متين لمواجهة قوات "موديل" لكن الألمان جمعوا قواتهم الرئيسية في الجنوب كجزء من جيش الدبابات الرابع بقيادة "هوف" وسبب هذا الإجراء بعض القلق للروس في المراحل القادمة.
بدأت المراحل الأولى للمعركة في الخامسة صباحًا في الخامس من يوليو عام 1943، بناءً على معلومات سرية عرف الروس الموقع الذي سيشن الألمان الهجوم عليه.
معتمدًا على خطة منظمة أصدر "زوخوف" أوامره إلى القوات الروسية بإطلاق حاجز من نيران المدفعية لمنع أعدائهم من التقدم، وحققت هذه الضربة غايتها، وهي الإمساك بالألمان وهم في العراء.
خلال مراحل الاستعداد كانت الفوضى والذعر الشديدان نموذجًا لما سيحصل لاحقًا.
مما زاد هول المعركة أن الألمان شنوا هجومًا مدفعيًا.
رغم أن هذه المعركة استمرت ساعة فقط، إلا أنها كانت عنيفة جدًا، ونتج عنها تأخير الهجوم الألماني ساعتين، والذي كانت في طليعته كتيبة مشاه.
نظرًا لأهمية المعركة فقد استخدم هتلر أفضل قواته المسلحة، واستعمل كل الدبابات التي كان يملكها، إلى جانب فرق المشاة، مثل فرقة "جروس دوت شلاند" التي كانت أفضل فرق الجيش في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى فيلق دبابات الشرطة السرية، وفرق الشرطة السرية الثلاث، وهي: "توتن كوف" و"داس رايخ" و"ليش دان دات" كما طلب إرسال أفضل القوات من جبهته الشرقية لدعم ذلك الهجوم قدر الإمكان، بدلاً من استخدام أعداد كبيرة من القوات غير المدربة.
كانت لدى الجيش التاسع في الشمال بقيادة الجنرال "موديل" أربع فرق دبابات هي الثانية والتاسعة والثامنة عشر والعشرون، بالإضافة إلى ثلاث كتائب من الدبابات الثقيلة شملت الكتيبة رقم 505 المجهزة بثلاثين دبابة تايجر، والكتيبتين 653 و 654 المجهزتين بتسعين من المدمرات الثقيلة من طراز فيرديناند.
كان الهجوم الألماني مركزًا في الجنوب، وضم جيش الدبابات الرابع التابع للجنرال "هوف" هذا بالإضافة إلى الكتيبة الخاصة "كيمف" أي كان مجموع الفرق 9 فرق مشاة، إلى جانب فرقة رماة القنابل، وفرقة دبابات "جروي دوتش لاند" وفرقة دبابات "لويتش راندر" التابعة للشرطة السرية، وقد ضمت مجموعات "أدولف هتلر" و"داس رايخ" و"توتن كوف".
كان لدى الشرطة السرية مجموعة من خمس عشرة دبابة تايجر، كما جُهزت مجموعتا "لايب شتاندر" و"داس رايخ" بدبابات البانثر الجديدة.
كانت فرقة "جروي دوتش لاند" مجهزة بفرقة من دبابات التايجر ودبابات البانثر، لدعم هذه الفرق انضمت كتيبة الدبابات الثقيلة رقم 503 بالإضافة إلى 45 دبابة من طراز تايجر.
شكل هذا الحشد الضخم منظرًا مثيرًا، وشكل أفضل ما لدى ألمانيا من رجال وعتاد، لكن الألمان افتقدوا أمرًا مهمًا، وهو قوة الاحتياط المناسبة، على عكس الروس الذين كانت لديهم قوة احتياط كبيرة.
أمضى الألمان سنتين وهم يحاربون في روسيا، مما أنهك قواتهم العسكرية، لذا حشدوا كل ما لديهم لجولة أخيرة فاصلة.
لم يكتفِ الألمان بتجربة أسلحتهم الجديدة على الأرض فقط، بل شملت تلك التجارب الطيران أيضًا.
أقدم "هانز يون روخ روديل" طيار استوكا الشهير على تجربة طائرة جديدة قدر لها أن تشكل خطرًا كبيرًا على رجال الدبابات التابعين للجيش الأحمر.
ثُبت مدفع من عيار 37 ميليمترًا عند طرف الطائرة السفلي، وتبين أن هذا السلاح دقيق وفعال للغاية في تدمير دبابات العدو.
لضمان عمل السلاح كان على الطيار أن يهبط بطيارته هبوطًا منخفضًا ويقترب من هدفه، وهي مهمة لا تخلو من الخطر.
كان عدد الدبابات الروسية التي تقع ضحية هذا السلاح الجديد يرتفع باستمرار خلال الهجوم، ومع اكتساب الهجوم زخمًا جديدًا بدأ الجيش التاسع تقدمة بمحاذاة أوريل باتجاه خط سكة حديد كيرسك، وسرعان ما واجههم خط الدفاع الأول، وبدأ عدد الإصابات بالارتفاع.
عقب أول يومين تم صد هجوم الجيش التاسع قرب "أولكوفاتكا" والذي لم يتقدم سوى اثني عشر ميلاً.
تمركز القوات الروسية عند هذا القطاع شكل حاجزًا قاتلاً لقوات "موديل" كما ساهم الطيران الروسي المتجدد في إحباط ذلك التقدم.
صمم الألمان على مهاجمة ستة عشر مهبط طائرات في منطقة "خاركوف"، لم تصل المقاتلات التي ستشارك في المعركة إلى أي تلك المهابط إلا قبل يومين من موعد الهجوم، لم يكن لدى أحد أي معلومات مسبقة عن خطة الهجوم.
وفي صباح اليوم التالي المقرر فيه الهجوم، وفي الساعة الثانية أو الثالثة صباحًا حيث يكون هناك ضوء في ذلك الوقت من السنة في روسيا، تقدم سلاح الطيران الروسي بمئات الطائرات المتوجهة مباشرة إلى مهابط الطائرات الألمانية.
رُصدت تلك الطائرات في اللحظة الأخيرة، وأرسل تقرير إلى المهابط الستة عشر يفيد بأن سلاح الطيران الروسي سيشن هجومًا في لحظات.
كانت مهابط الطائرات نفسها قد رصدت تلك الطائرات بواسطة الرادار، ولم يكن يعلم الروس أن الألمان يملكون مثل هذا الرادار.
وهكذا انطلقت المقاتلات الألمانية فورًا بالإضافة إلى القاذفات، ولم تمضِ خمس دقائق من الطيران حتى تورطت الطائرات الروسية، ومنها "ألياج" و"أليوشن" وحتى بعض الطائرات المرسلة من أميركا، وشهد ذلك النهار معركة طاحنة، خسر فيها الروس 430 طائرة، وفي اليوم التالي خسروا 250 طائرة، لا أعرف عدد الطائرات التي خسرها الألمان في ذلك اليوم، ولكن لا شك في أنها كانت ضربة قاسية لهم.
من ناحية أخرى لم يكن الطيران الروسي عاملاً مهمًا للقوات الأرضية كما كان الوضع للألمان، لأن الروس كانوا قد جمعوا وراء جبهتهم كميات هائلة من أسلحة المدفعية القريبة المدى، والبعيدة المدى التي تنجز المهمة ذاتها في عناء أقل.
قامت المقاتلات الألمانية المجهزة بمدفع من عيار 37 ميليمترًا بمهاجمة الدبابة الروسية "T 34" كان بإمكان رجل واحد فقط تدمير 36 دبابة في المعركة، علمًا أن الطيران الروسي تصدى لذلك الهجوم.
مما عقد الأمور أن الدبابات الألمان الجديدة التي كان من المفترض أن تعطي نتائج ممتازة كانت دون المستوى المطلوب بكثير، رغم أن "الإيلفانت" خرقت صفوف أعدائها لبضعة أميال وشكل درعها السميك حاجزًا منيعًا أمام محاولات التغلب عليها، ونجحت في إبطال مفعول مواقع مشاة أعدائها إلا أن النيران الروسية المساندة والدقيقة منعت قوات المشاة الألمانية من اللحاق بها.
كما واجهت دبابات "فيردي ناند" مشاكل عندما افترقت عن قوات المشاة المساندة لها، كما أن الإخفاق في تثبيت مدفع رشاش فوق الدبابات منعهم من حماية أنفسهم من مشاة أعدائهم.
واجهت "البانثر" أيضًا المشاكل نفسها التي اعترضت "الإيليفانت" كثير من هذه الدبابات تعطلت عند الانطلاق، وظهرت أيضًا مشكلة احتراق عدد كبير منها بسبب التركيب الخاطئ لأنابيب إخراج البخار التي جمعت وقودًا غير محترق فاشتعل لاحقًا.
لقب أول نموذج للبانثر بطفل جوديريان المشاكس، وأرسل نحو 200 من هذه الدبابات إلى كيرسك حيث تعطل عدد كبير منها.
واجهت التايجر مشاكل عدة منها: استرداد الآليات المعطلة، وحقول الألغام الروسية التي يم يتم تطهيرها جيدًا، وهذا كان خطئًا غير مقصود أثار غضب جودريان.
كانت انطلاقة قوات "هوف" في الجنوب أفضل، وضعت التايجر في المقدمة، ووفرت البانثر غطاءً جانبيًا، وجاء جيشا الدبابات الثالث والرابع في المؤخرة فيما سمي بالإسفين المدرع.
كان الروس قد نشروا قواتهم في الجنوب، وساهم ذلك في تقدم جيش الدبابات الرابع 15 ميلاً نحو مدينة "بوكروفكا" لكن هذا التقدم قل كثيرًا، كان ذلك بعد أن نقل الروس أفواجًا كبيرة من الاحتياط إلى تلك المنطقة لمواجهة ذلك الخطر.
ومع تراجع ذلك التقدم انتقل ثقل المعركة إلى الشمال.
وصلت أفواج الشرطة السرية، ونجحت في عبور نهر "سبيل" في الحادي عشر من يوليو مما جعلهم يقتربون من مدينة "بوكروفكا".
استعدوا لمواصلة تقدمهم مع وجود الفرقة الخاصة "كيمف" في المؤخرة، على بعد اثني عشر ميلاً من موقعهم.
كان لديهم جيشان، الأول يهاجم من الشمال، وهو الجيش التاسع، والآخر من الجنوب بقيادة "مانشتاين" و"هوث" الذي شكل جيش الدبابات الأول.
وكان من المفترض أن يلتقيا في الوسط عند مدينة "أوبايان"، ولكن كما ذكرنا سابقًا كان الروس يعرفون تمامًا أين سيهاجم الألمان بحيث أمكنهم تصور نقطة المواجهة بالضبط.
كانت مدينة "أوبايان" محصنة جدًا ومن كل جوانبها، لم تكن الدفاعات الروسية بعيدة سوى بضع مئات من الأمتار عن الألمان، كان خط الدفاع كله يمتد على مساحة لا تقل عن ثمانية أو اثنتي عشر ميلاً.
فشل الألمان في تحقيق النصر عند مدينة "أوبايان" ولم يلتقِ الجيشان؛ لأن تشكل الهجوم الشمالي لم يصل في الوقت المناسب، مما أجبر الجيش الجنوبي على التراجع إلى مدينة "بروخوروفكا".
وفيما كانوا يتقدمون باتجاه تلك المدينة علموا أن تعزيزات روسية ضخمة تستقدم من الجهة نفسها، أي من الجهة الشرقية الروسية التي كانت تدعى جبهة "باروشا" مما حتم التقاءهما.
وبالواقع حاول الألمان جهدهم تجنب ذلك بالاستعانة بفرقة "كانز" الخاصة، التي كان من المفترض بها حماية الجهة المكشوفة في أثناء تقدم الجند شمالاً، لكن فشل ذلك الجيش في الوصول في الوقت المناسب، مما نتج عنه تقدم الألمان باتجاه "بروخوروفكا"، وهكذا فعل الروس.
بحلول الحادي عشر من يوليو أصبحت قوات "هوف" على بعد اثني عشر ميلاً فقط من مدينة "أوبايان" كانت هذه النقطة مركز تجمع القوات الروسية في الجزء الجنوبي من نتوء كيرسك وكان الألمان يعلمون أن هذا الموقع هو ركيزة الجيش الروسي.
كانت فرقة "كيمف" الخاصة تقاتل في الجنوب الشرقي باتجاه "رازافيتس".
صمم "هوف" على التوجه شرقًا بعيدًا عن "أوبايان" وسحق أعدائه في الجنوب، ليتمكن من ربط قواته بقوات "كيمف" وشق طريق جديد باتجاه كيرسك.
كانت مدينة "بروخوروفكا" تشكل حاجزًا أمام "هوف" لذا كان اقتحام تلك المدينة مهمًا للتقدم الألماني.
كانت "بروخوروفكا" حتى الثاني عشر من يوليو عام 1943 مدينة مجهولة، في نهاية ذلك اليوم سجلت اسمها في تاريخ الحرب العالمية الثانية.
دفع الروس الذين أدركوا خطر وجود قوات الشرطة السرية بقوات الاحتياط الدفاعية المدرعة إلى داخل هذه المنطقة، كان جيش الدبابات الخامس بين قوات الاحتياط، وقد تمركز شمال شرق "بروخوروفكا" بمحاذاة جيش الدفاع الخامس.
تألف جيش دبابات الدفاع الخامس من 850 دبابة مختلفة، منها "T 34" و "TV 1".
قدر الروس أن التقدم الألماني في هذه المرحلة مؤلف من 700 آلية، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تمامًا.
كانت قوات الشرطة السرية التابعة لـ"هوف" منهكة جدًا بسبب تقدمها العسير عبر الدفاعات الواسعة.
بحلول الحادي عشر من يوليو لم يتمكن فيلق دبابات الشرطة السرية الثاني من تجميع سوى 300 آلية صالحة للمعركة، إلى جانب 230 آلية ألمانية مدرعة تحارب مع قوة "هوف".
الخطأ الإضافي الذي ارتكبه الألمان كان بسبب فشلهم في معرفة قوة أعدائهم الضخمة التي كانت بانتظارهم.
كان "هوف" على ثقة بأن عدوه ضعيف جدًا، وأن الهجوم الألماني سيخترق الجانب الشرقي، ويدفع عدوه إلى الوراء باتجاه "أوبايان".
كانت جميع هذه القوات المدرعة محتشدة في رقعة لا تزيد مساحتها على ثلاثة أميال مربعة.
سبق اشتباك القوات المدرعة قصف عنيف للطيران الحربي من الجهتين المتحاربتين، شن الروس هجومًا بالمدفعية على الخطوط الألمانية ثم بدأ تقدم الدبابات الروسية.
في الوقت نفسه اتجه الألمان نحو الخطوط الروسية، التحمت الجهتان التحامًا رأسيًا مما سبب حالة من الفوضى العارمة، تلاشى أي أمل في التحكم بهذه التشكيلات الضخمة عند التحام الجهتين في عراك قريب المدى.
كان من المستحيل مع ذلك المدى القريب جدًا على التايجر والبانثر الاعتماد على مدافعهما بعيدة المدى، كما استطاعت دبابات "T 34" عند هذا المدى القصير أن تدمر الدبابات الألمانية الضخمة بسهولة، لكنها كانت تتعرض أيضًا للدمار في اليوم نفسه.
قامت الدبابة الروسية بضرب دبابة التايجر والانقضاض عليها بحيث نتج عن ذلك تدمير الآليتين معًا.
بسبب القتال قريب المدى فشلت الطائرات الحربية وسلاح المدفعية للجهتين في حسم المعركة، إذ إن خطر تدمير القوات الحليفة كان كبيرًا جدًا.
دارت المعركة على مدى اثنتي عشرة ساعة، كان هذا الوقت القصير كافيًا لوقف أفضل فرق جيش هتلر عن العمل كليًا، كانت إصابات المشاة مرتفعة جدًا، كما فشلوا في خرق الخطوط الروسية، في النهاية تراجع الفريقان واتخذ كل منهما مواقع دفاعية، كلاهما أحصى خسائره وقرر تنفيذ الخطوة التالية.
هُزم الألمان في معركة "بروخوروفكا" ولكن خلافًا للاعتقاد السائد فإن تلك الخسارة لم تتعدى 150 آلية مدرعة.
نجح الألمان في المحافظة على عدد الدبابات الصالحة للقتال، وكان مساويًا لتلك التي خسروها في هذه الفترة.
هزائمهم الرئيسية وقعت في الأيام الأولى للهجوم على كيرسك، وعقب "بر"بروخوروفكا" افتقر الألمان إلى القوات الضرورية للاستمرار في التقدم.
كانوا منهكين تمامًا عند هذه المرحلة، وبلغت خسائر الدبابات الروسية نتيجة معركة "بروخوروفكا" نحو 400 دبابة مما أدى إلى انتكاسة في هذه المنطقة.
كانوا يعلمون أن عليهم توجيه الضربة القاضية في مكان آخر.
أمضى كل من الألمان والروس ليلة الثاني عشر من يوليو يسترجعون ما أمكنهما من الآليات من "بروخوروفكا" بحيث يرسلونها لإعادة التأهيل في محاولة لتقليص خسائرهما.
أتلف المهندسون كل ما لا يمكن إصلاحه، استمرت المناوشات في هذه المنطقة بضعة أيام، ولكن في الحقيقة كان كل من الطرفين متعبًا جدًا.
أصدر هتلر في الثالث عشر من يوليو قرارًا بإلغاء هجوم القلعة، وفيما كانت معركة الدبابات قائمة في "بروخوروفكا" استعد الروس لهجوم معاكس في مناطق أخرى.
جمعوا قوة هائلة شمال الجزء الناتئ من الخط الدفاعي، وحتى مع استمرار الهجوم الألماني بدؤوا بهجماتهم التجريبية في الثاني عشر من يوليو بالقرب من "أوريل".
لم يعد هناك مجال لاستعادة المبادرة، إضافة إلى أن هتلر سحب فرقة دبابات الشرطة السرية الأولى والمتفوقة وأرسلها جنوبًا لمواجهة الخطر الجديد في إيطاليا.
بدأ الهجوم الروسي الكامل في بداية أغسطس، وسرعان ما ثبت الروس في مواقعهم، وخلال أقل من أسبوع نجحوا في استعادة معظم المناطق التي خسروها.
في نهاية أغسطس نجحوا في استعادة "خاركوف".
هذه هي المرة الرابعة والأخيرة التي تشهد فيها تلك المدينة احتلالاً غريبًا.
واجه الروس في بعض المناطق مقاومة عنيفة، حيث كان الألمان في مواقع محصنة مما مكنهم من الثأر لبعض الخسائر.
أشرف "مانشتاين" شخصيًا على تلك المعارك الدفاعية علمًا بأن النهاية كانت معروفة سلفًا.
جندت ألمانيا نخبة قواتها المدرعة لهذه المعركة في محاولة لكسب نصر حاسم.
وضع هتلر كل آماله في تشكيلات سلاح الشرطة السرية الذي حقق له النصر في "خاركوف" في مارس.
شدد على أن تحصل هذه القوات على الأفضل من دبابات التايجر والبانثر الجديدة، لكن حتى هذه الدبابات الثقيلة فشلت في تحقيق النصر وتكبدت هذه الوحدات عند نهاية الصراع خسائر فادحة في الرجال والعتاد.
شكلت هذه المعركة آخر عملية هجومية للألمان في الشرق، وكانت تلك بداية نهاية الحملة الروسية.
تراجع جيش هتلر للمرة الأخيرة باتجاه ألمانيا حتى فرق الشرطة السرية المتفوقة فشلت في تحقيق النصر الذي احتاج إليه هتلر.
تحققت انتصارات محلية لكنها لم تكن كافية لتغيير نهاية هذه الحملة.
أتاحت هذه الحملة للروس فرصة أخذ زمام المبادرة من الألمان، وتمكن الهجوم المعاكس المنظم، من تحقيق اختراقات كبيرة للخط الأمامي الألماني، وأخيرًا نجحوا في تغيير فكرة أن الجيش الألماني لا يقهر.
ثبتت أهمية تفوق العدد مقابل تفوق تقنية التايجر والبانثر، كان نصرًا كبيرًا.
ولكنه لم يكن نصرًا لقوات هتلر، بل استطاعت أن تحققه قوات ستالن.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى